قصة قصيرة بقلم: مرشد سعيد الأحمد

 قصة قصيرة

بقلم:  مرشد سعيد الأحمد

                .             المتسوّل الذهبي 

لم يكن خلف ذلك الطفل الذكي بل كانت قدراته العلمية عادية لكنه أناني ومتزمت في حبه لممتلكاته الشخصية وألعابه واهتمامه الزائد في عمله وسلوكه الذي يحاول أن يرضي به الجميع. 

بعد أن حصل على الشهادة الثانوية العامة التحق بكلية الهندسة المدنية ليتخرج منها بعد خمس سنوات مهندساً مدنياً في قسم الهندسة الصحية

وبعدها التحق بخدمة العلم  وتم فرزه بعد الدورة إلى اختصاص حساس في صحراء الرحيبة في ريف دمشق

حيث الأفاعي والعقارب والوحوش الضارية فكان لهذه الطبيعة الدور الأكبر في بناء شخصيته فتحول 

إلى إنسان لا يهاب الصعاب إلى جانب الدقة والسرية في العمل. 

بعد أداء خدمة العلم عاد إلى تل ألمگأصيص ليتعين في مؤسسة خدمية تهتم بحياة البشر فتسلم فيها قسم التحليل المخبري. 

إن دقته واهتمامه الزائد بالعمل الذي يوكل إليه دفع الجهات المعنية تكليفه بالإشراف على إنشاء محطة للتحاليل المخبرية وتسليمه إدارتها مع سيارة حديثة  للإشراف على العمل. 

وخلال فترة قصيرة أصبح  شخصية معروفة في تل ألمگأصيص ونال إعجاب واهتمام كل الجهات المعنية. 

في بداية الأحداث أو ما يسمى الربيع العربي ترك عمله في المحطة وسلم السيارة للدائرة المعنية بعد استيلاء بعض المليشيات عليها. 

وأصبح يعمل سائق تكسي أجرة ليستطيع تأمين لقمة العيش لأولاده. 

فكان هذا العمل عبارة عن مدرسة في الحياة تعلم منها الكثير نتيجة احتكاكه وتعامله مع شرائح المجتمع المختلفة وخاصة النساء وكيف تتحول الكثير من هذه النساء من ملاك في الشارع من حيث اللباس الشرعي والكلام اللطيف إلى امرأة كاشفة للحياء بعد صعودها  التكسب من خلال التدخين وأحاديثها الجنسية معه لإثارته وابتزازه. 

 أو الاتصال مع صاحبها وتحديد مكان اللقاء دون خوف أو خجل. 

فيتذكر كلام أحد المشايخ في إحدى خطب الجمعة عندما ذكر الحديث الذي يقول:  

إن جبريل سينزل عشر مرات على الأرض وأنه سيقوم  في احداها 

برفع الحياء من النساء 

لكن المعلومة الأهم التي حصل عليها كانت عندما طلب منه طفل لا يتجاوز عمره اثنا عشرة عاماً أن يقوم بإيصاله إلى بيته في حارة المطاحيش.  

حيث دفع له ضعف المبلغ المتفق عليه 

وعندما سأله عن عمله أجابه قائلاً:  أنا أعمل ( شحّاذ )

أي متسوّل وأنه ليس غجرياً وإنما هو  من عشيرة الگيعط المعروفة في تل ألمگأصيص والذي يتباهى أفرادها بانتمائهم للسلالة النبوية ويتفاخرون بالشجاعة والكرم

وعندما سأله عن المبلغ الذي يحصل عليه من هذا العمل

قال له:  اليوم حصلت على مبلغ أربعين ألف ليرة سورية

وهو مبلغ قليل مقارنة بالأيام الباقية كون هذا اليوم السبت والكثافة السكانية قليلة أي ما يعادل تقريباً المئة دولار أمريكي في تلك الأيام

فعاد إلى بيت مذهولاً من هذه المعلومة التي كان يجهلها وجلس بعد تناول وجبة الغداء يفكر بهذه الشريحة من المتسولين ويحسب دخل كل واحد منهم في الشهر ثم في السنة وأصبح موضوع حديثه مع كل من يجلس معه.  

إلى أن رد عليه أحدهم قاىلاً:  

يبدو من كلامك بانك إنسان متعلم ومثقف ويجب أن تعلم حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن طيبة القلب الزائدة مع الابن تجعله إنسان أناني اتكالي لا يستطيع الاعتماد على نفسه في تأمين أبسط متطلبات الحياة 

وظهور هذه الشريحة الاجتماعية من المتسولين سببه 

الطيبة الزائدة لمجتمعنا التي تتحكم به العاطفة

فتحولوا إلى ناس اتكاليين يحصلون على أموال طائلة دون عناء إلى جانب تحول البعض منهم إلى حرامية لا يترددون في ارتكاب بعض الجرائم بغية الحصول على  أي مبلغ من المال 

فرد عليه خلف قائلاً:  أنا أعرف ذلك تماماً لكن ما يثير اهتمامي بالموضوع أن الكثير من هؤلاء المتسولين ليسوا من الغجر المعروفين وإنما من عشائر يمكن تصنيفها من الدرجات الاولى في المنطقة

عندها احابة الرجل باستهزاء لا تشغل بالك بهكذا موضوع لان الكثير من الوجهاء والشيوخ لهم مواسم سنوية يذهبون فيها الى الخليج للتسول عند بعض الامراء وعند اهل الخير من اثرياء الخليج بحجة تربية ايتام او بناء جامع او جمعية خيرية.

                                انتهت

بقلم:  مرشد سعيد الاحمد 

ملاحظة: انا لا اقصد احد في هذه القصة وانما اتحدث عن ظاهرة اجتماعية دخلت حديثاً الى مجتمعنا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قدساه أبشري كلمات الشاعر محمد عبد العزيز

تبعتها /الهادي عباس

بالروح بالدم نفديك يافلسطين / عاطف محمود