صور في ذاكرة متعبة /سالم عكروتي (أبو عيسى)
صور في ذاكرة متعبة
خريف كالح ، بعد صيف شديد الحرارة ، أكثر أيامه برياح الشهيلي ، سحابات عالية بيضاء عقيمة ، تمر سريعة متحللة ، تستدبرها ريح غربية ترفع معها الأتربة والغبار ، لتستمر أياما حتى يصبح (عجاجا ) يكنس أمامه كل أثر للنعمة والفرح ، يصبح فيه الجو مشحونا أصفرا باهتا ، لا ترى سوى الغبار الثقيل يحثو كاتما للأنفاس ، أشجار السدر تكدس على جنباتها الرمل وكاد يغمرها ، المرتفعات القليلة والهضاب الصغيرة يستنزف الريح المغبر علوها ليأخذه إلى سفوحها ،محدثا تموجات متنقلة ، أطل من فتحة صغيرة من جنبات الكوخ ، لاحت له أشجار السرو تتلوى بعنف ترقص بجنون ، السماء بلون التراب ، لا شي يوحي بالخلاص والإنفراج ، لقد تعود أهل البلدة وألفوا مثل هذه الضروف ، ألفوا الحر والبرد وتقلب الفصول ، أضافوه إلى فقرهم و زينوا به، جوعهم ، وكرروه عزفا في سنفونية الشقاء.
تحسس ملاليمه القليلة في جيبه، جرع جرعة ماء ، سحق تحت أسنانه حبات تراب أحدثت صريرا ،تفل مرار، مسح فمه ولسانه بطرف ثوبه، هرول خارجا ، يتقفى أثر مسرب أعدمته الريح.
دلف إلى الدكان ، فرك عينيه ، مسح وجهة ونفض ثيابه ، مرر تحيته للقابعين داخله ، أتاه الرد سريعا مقتضبا دون إهتمام أو إشارات ، الكل منهمك في لعب ( الشكبة) أو ( الرامي) ضجيج ولغط مفعم برائحة السجائر بنكهة الشاي المحترق............ يتبع
سالم عكروتي (أبو عيسى)
تونس
تعليقات
إرسال تعليق